فصل: غزوة بدر الثانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزوة بدر الثانية:

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى رمضان من السنة الثانية ثم بلغه أن عيرا لقريش فيها أموال عظيمة مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش عميدهم أبو سفيان ومعه عمرو بن العاصي ومخرمة بن نوفل فندب عليه السلام المسلمين إلى هذه العير وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج ولم يحتفل في الحشد لأنه لم يظن قتالا واتصل خروجه بأبي سفيان فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى أهل مكة يستنفرهم لعيرهم فنفروا وأرعبوا إلا يسيرا منهم أبو لهب وخرج صلى الله عليه وسلم لثمان خلون من رمضان واستخلف على الصلاة عمرو بن أم مكتوم ورد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ودفع إلى علي راية وإلى رجل من الأنصار أخرى يقال كانتا سوداوين وكان مع أصحابه صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعون بعيرا يعتقبونها فقط وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة من بني النجار وراية الأنصار يومئذ مع سعد بن معاذ فسلكوا نقب المدينة إلى ذي الحليفة ثم انتهوا إلى صخيرات يمام ثم إلى بئر الروحاء ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء.
وبعث عليه السلام قبلها بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسون أخبار أبي سفيان وغيره ثم تنكب عن الصفراء يمينا وخرج على وادي دقران فبلغه خروج قريش ونفيرهم فاستشار أصحابه فتكلم المهاجرون وأحسنوا وهو يريد ما يقوله الأنصار وفهموا ذلك فتكلم سعد بن معاذ وكان فيما قاله: لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله فسر بذلك وقال: «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين».
ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر وبعث عليا والزبير وسعدا في نفر يلتمسون الخبر فأصابوا غلامين لقريش فأتوا بهما وهو عليه السلام قائم يصلي وقالوا: نحن سقاة قريش فكذبوهما كراهية في الخبر ورجاء أن يكونا من العير للغنيمة وقلة المؤنة فجعلوا يضربونهما فيقولان نحن من العير فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر عليهم وقال للغلامين: أخبراني أين قريش فأخبراه أنهم وراء الكثيب وأنهم ينحرون يوما عشرا من الأبل ويوما تسعا فقال عليه السلام: القوم بين التسعمائة والألف وقد كان بسبس وعدي الجهنيان مضيا يتجسسان ولا خبر حتى نزلا وأناخا قرب الماء واستقيا في شن لهما ومجدي بن عمرو من جهينة بقربهما فسمع عدي جارية من جواري الحي تقول لصاحبتهما العير تأتي غدا أو بعد غد وأعمل لهم وأقضيك الذي لك وجاءت إلى مجدي بن عمرو فصدقها فرجع بسبس وعدي بالخبر وجاء أبو سفيان بعدهما يتجسس الخبر فقال لمجدي هل أحسست أحدا فقال راكبين أناخا يميلان لهذا التل فاستقيا الماء ونهضا فأتى أبو سفيان مناخهما وفتت من أبعار رواحلهما فقال هذه والله علائف يثرب فرجع سريعا وقد حذر وتنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا وأوصى إلى قريش بأنا قد نجونا بالعير فارجعوا فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثا وتهابنا العرب أبدا ورجع الأخنس بن شريق بجميع بني زهرة وكان حليفهم ومطاعا فيهم وقال: إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت فارجعوا وكان بنو عدي لم ينفروا مع القوم فلم يشهد بدرا من قريش عدوي ولا زهري.
وسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا إلى ماء بدر وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم وأصاب مما يلي المسلمين دهس الوادي وأعانهم على السير فنزل عليه السلام على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: آلله أنزلك بهذا المنزل فلا نتحول عنه أم قصدت الحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: «لا بل هو الرأي والحرب» فقال يا رسول الله ليس هذا بمنزل وإنما نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونبني عليه حوضا فنملؤه ونغور القلوب كلها فنكون قد منعناهم الماء فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بنوا له عريشا يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه من ربه النصر ومشى يريهم مصارع القوم واحدا واحدا ولما نزل قريش مما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحي يحزر له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فيهم فارسان الزبير والمقداد فحزرهم وانصرف وخبرهم الخبر ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش ولا يكون الحرب فأبى أبو جهل وساعده المشركون وتوافقت الفئتان.
وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف بيده ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر وحده وطفق يدعو ويلح وأبو بكر يقاوله ويقول في دعائه اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني وسعد بن معاذ وقوم معه من الأنصار على باب العريش يحمونه وأخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر الله ثم خرج يحرض الناس ورمى في وجوه القوم بحفنة من حصى وهو يقول: شاهت الوجوه ثم تزاحفوا فخرج عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد يطلبون البراز فخرج إليهم عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقتل حمزة وعلي شيبة والوليد وضرب عتبة عبيدة فقطع رجله فمات وجاء حمزة وعلي إلى عتبة فقتلاه وقد كان برز إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة من الأنصار فأبوا إلا قومهم وجال القوم جولة فهزم المشركين وقتل منهم يومئذ سبعون رجلا فمن مشاهيرهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب وابنا سعيد بن العاص عبيدة والعاص والحرث بن عامر بن نوفل وابن عمه طعيمة بن عدي وزمعة بن الأسود وابنه الحرث وأخوه عقيل بن الأسود وابن عمه أبو البختري بن هشام ونوفل بن خويلد بن أسد وأبو جهل بن هشام اشترك فيه معاذ ومعوذ ابنا عفراء ووجده عبد الله بن مسعود وبه رمق فحز رأسه وأخوه العاص بن هشام وابن عمهما مسعود بن أمية وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وابن عمه أبو قيس بن الفاكه ونبيه ومنبه ابنا الحجاج والعاصي بن منبه وأمية بن خلف وابنه علي وعمير بن عثمان عم طلحة.
وأسر العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب والسائب بن عبد يزيد من بني المطلب وعمرو بن أبي سفيان بن حرب وأبو العاص بن الربيع وخالد بن أسيد بن أبي العيص وعدي بن الخيار من بني نوفل وعثمان بن عبد شمس ابن عم عتبة بن غزوان وأبو عزيز أخو مصعب بن عمير وخالد بن هشام ابن المغيرة وابن عمه رفاعة بن أبي رفاعة وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة والوليد بن الوليد أخو خالد وعبد الله وعمرو ابنا أبي بن خلف وسهيل بن عمرو في آخرين مذكورين في كتب السير.
واستشهد من المسلمين من المهاجرين: عبيدة بن الحارث بن المطلب وعمير بن أبي وقاص وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة وصفوان بن بيضاء من بني الحرث بن فهرو مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابه سهم فقتله وعاقل بن البكير الليثي حليف بني عدي من الأنصار ثم من الأوس: سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر ومن الخزرج: يزيد بن الحارث بن الخزرج وعمير بن الحمام من بني سلمة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على الجهاد ويرغب في الجنة وفي يده تمرات يأكلهم فقال: بخ بخ أما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم رمى بهن وقاتل حتى قتل ورافع بن المعلى من بني حبيب بن عبد حارثة وحارثة بن سراقة من بني النجار وعوف ومعوذ ابنا عفراء.
ثم انجلت الحرب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب وطم عليهم التراب وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن مبدول بن عمر بن غنم بن مازن بن النجار ثم انصرف إلى المدينة فلما نزل الصفراء قسم الغنائم كما أمر الله وضرب عنق النضر بن الحرث بن كلدة من بني عبد الدار ثم نزل عرق الظبية فضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية وكان في الأسارى ومر إلى المدينة فدخلها لثمان بقين من رمضان.